السيدات والسادة الحضور.
تأتي كلمتنا هذه، في سياق افتتاح المجلس لمشاركته الأولى في فعاليات الدورة 28 للمعرض الدولي للنشر والكتاب بالرباط، والذي يشكل حدثا ثقافيا بامتياز، ومناسبة للاحتفاء بالفكر والمفكرين ونشر المعرفة، والتشجيع على القراءة والنقاش والانفتاح على المعارف والثقافات؛ وهو ما يحضر في صلب اهتماماتنا في المجلس.
حضرات السيدات والسادة؛
لقد نهج المجلس في إنجاز مختلف أعماله، من آراء، وتقارير ودراسات تقييمية، وموضوعاتية، منهجية قوامها التملك الجماعي للتشخيصات والتقييمات والأفكار، في إطار التعاون البناء مع كل شركائه المؤسساتيين ، بهدف استشراف معالم مدرسة الغد، وهو ما تضمنته الرؤية الاستراتيجية 2015 – 2030 ؛ في مرتكزاتها الثلاث: – بناء مدرسة جديدة للإنصاف وتكافؤ الفرص،- والجودة للجميع ، – والاندماج الفردي والارتقاء المجتمعي.
ولا يزال المجلس، يؤكد على حاجة بلادنا للمزيد من السياسات الوطنية المندمجة الهادفة لتطوير ثقافتنا، والانفتاح على الثقافات الأخرى ولاسيما عن طريق الاهتمام بإتقان اللغات الأجنبية من طرف المتعلمين في كل مستويات التعليم والتكوين والبحث العلمي. وهو ما يسائل قدرتنا جميعا على العمل المتواصل بهدف تشجيع القراءة، بحيث أن هذا الورش لا يمكن حصره في المسؤولية الملقاة على عاتق المدرسة المغربية، بل إن تشجيع القراءة والتعلم، ونشر الثقافة وتطويرها، هي مسؤولية مجتمعنا بكل أطيافه ومكوناته، خصوصا في ظل الثورة الرقمية والتكنولوجية. حضرات السيدات والسادة؛
لقد أضحى للتكنولوجيا دور في المكانة التي يحتلها الفرد اليوم، حتى أصبح مفهوم ” المجتمع الحر ” لا يرتبط فقط بالحرية الاجتماعية والسياسية، بل بالتحرر الإنساني؛ الذي أصبحت معه ” عملية التجريد” تمتد إلى كل العلاقات الاجتماعية من جهة، وتقلل من أهمية الانسان في مهاراته وتفكيره، وتنقلها إلى الآلة والتطبيقات.
كنت أتذكر أنه في بداية التسعينات من القرن الماضي، راج الحديث عن ما أطلق عليه بالثورة الرقمية، والتي كانت لها انعكاسات أكثر ثورية، تجلت في التطور المتلاحق لما يعرف اليوم بالتكنولوجيات المعلوماتية والاتصالية والذكاء الاصطناعي، والتي وضعت معها رزمانة من الإشكالات الاجتماعية والتربوية، التي وجدت خطابات بعضها تمفصل حول الأبعاد الإيجابية المرتبطة بالثورة الرقمية؛ من أنها تؤسس لمزيد من الرفاهية والتعلم. أما البعض فرأى لكل مآسيها الاجتماعية وأضرارها النفسية، والتي لا يرى “المغالون” من أنصار التكنولوجيا لحلها، إلا مزيدا من التكنولوجيا.
وعليه، فإن ما أكسبته هذه التكنولوجيا للإنسان من حريات ووسائل جديدة، حررت الإنسان من عوائق الطبيعة، فإنها في ذات الوقت “سلبت” بعض حريته وواجهتها بأخطار جديدة؛ وضعته – في كثير من الوضعيات – تحت عبودية آلياتها وآلاتها.
إن هذه الثورة، رغم مزاياها في تقليص المسافات الزمانية والمكانية، وسيولة الإعلام وتيسير المعلومات والتلاقح الثقافي، وتحسين الأداء التعليمي والتكويني، والإداري والمعاملاتي، والتطبيب عن بعد (La Télémédecine) ، فإنها كذلك الثورة التي تحولت إلى أخطر سلاح لا مادي، وإلى حرب إلكترونية ذات “الصفر ضحايا ” كما يدعى؛ دون إغفال السيطرة الإعلامية وتزييف الأخبار وإفشاء ثقافة التمييز والعنف، واللا تمدن أو اللا حضارة . « La Décivilisation »
مع كل ذلك، لا زلنا متفائلين بأن العلم – مهما قيل – لازال قادرا على إدراك دوره القديم المتمثل في تحرير الإنسان من جديد، إذا ما جددت مضامينه وأطروحاته وأهدافه، وصولا إلى التفاعل الإيجابي مع الواقع الإنساني الجديد والمتجدد. ما يعني طرح مفاهيم ومناهج، وحلولا ومعاني وقيما جديدة، تكون أكثر إنسانية.
حضرات السيدات والسادة؛
إذا كانت التربية والتعليم يغيران من حياة الناس والشعوب، فإنهما يتبوءان مكانة مركزية في مهامنا بالمجلس، من خلال الإسهام في التفكير الاستراتيجي لمواجهة بعض أكبر التحديات في التعليم اليوم، وابتكار ممارسات للتعليم والتعلم، قوامها مدرسة جديدة؛ تكون فضاء نموذجيا للتعلم والانفتاح، ونموذجا للحياة المستدامة، وتكييف المناهج وتطوير المعلمين ومهارات المتعلمين. لكن – طبعا – من خلال الدمج المنهجي للذكاء الاصطناعي، يكون محوره الإنسان المتعلم والمواطن، وتحويل التفكير ليشمل دور الذكاء الاصطناعي في معالجة أوجه عدم المساواة الحالية فيما يتعلق بالحصول على المعرفة والبحث، وتنوع أشكال التعبير الثقافي، وضمان عدم قيام الذكاء الاصطناعي بتوسيع الفجوات التكنولوجية بين الفئات الاجتماعية والاقتصادية والمجالية.
إننا بحاجة إلى تجديد هذا الالتزام ونحن نتحرك نحو عصر – تقارب التكنولوجيات الناشئة – في كل جانب من جوانب حياتنا، لكن في توجيه هذه الثورة إلى الاتجاه الصحيح، لتحسين سبل العيش، والحد من عدم المساواة وتشجيع العدالة والإنصاف، وضمان الاستخدام الأخلاقي والشفاف.
ونحن في المجلس، نسعى لأن نضطلع بدور رائد في تعزيز الحوار والمعرفة في هذا المجال وزيادة الوعي بالفرص الواسعة النطاق للذكاء الاصطناعي من جهة، والآثار المتخصصة المترتبة عنه في ميدان التربية والتكوين والبحث العلمي من جهة أخرى.
إنها مسؤولياتنا جميعا لتحليل التوتر المحتمل بين السوق، والقيم الإنسانية والمهارات والتعلمات في سياق تكنولوجيات الذكاء الاصطناعي. بالإضافة إلى تحديد القيم الانسانية التي تعطي الأولوية للأشخاص والبيئة على الكفاءة، والتفاعل بين الإنسان والإنسان على التفاعل بين الإنسان والآلة.
ودورنا أيضا تعزيز مسؤولياتنا لمعالجة القضايا المجتمعية الحرجة التي تثيرها تكنولوجيات الذكاء الاصطناعي، مثل الإنصاف، والشفافية، وحقوق الإنسان والقيم والمواطنة، ضمانا لبقاء الإنسان في صلب التعليم، وليس كجزء يتضمنه تصميم التكنولوجيا. وننتقل بالتالي من تكنولوجيا التحكم إلى التحكم في التكنولوجيا.
حضرات السيدات والسادة؛
في ختام كلمتي هاته، أود أن أجدد لكم الشكر على حضوركم وإسهامكم في إنجاح مشاركة المجلس في فعاليات المعرض الدولي للكتاب والنشر في دورته الحالية، متمنيا لفعاليات هذا المعرض ومشاركة المجلس فيها كامل التوفيق والسداد.
كما، أود أن أرحب بمختلف الخبراء الوطنيين والدوليين، وبالضيوف الكرام، وبكافة الأساتذة والأطر والفعاليات الملتئمة في هذه المحاضرة الافتتاحية، التي ينظمها المجلس لتبادل الأفكار والتجارب حول موضوع يكتسي لدينا أهمية راهنية ومستقبلية بالغة.
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.