بسم الله الرحمن الرحيم.. والصلاة والسلام على أشرف المرسلين.
السيدات والسادة الأعضاء المحترمين،
أيها الحضور الكريم.
يطيب لي أن أعلن عن افتتاح الدورة الأولى للجمعية العامة للمجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، والتي تكتسي أهمية خاصة، ليس فقط بالنظر لما تعكسه من استمرار هذا المجلس في النهوض بأدواره الدستورية، وإنما لكونها تحمل العديد من التحديات، لعل أهمها تحدي الاستمرارية؛ بالنجاعة المطلوبة و التراكم الخلاق، والإثراء كلما لزم الأمر.
وإنها لمناسبة سانحة لأعبر لكم مجددا، عن فخري واعتزازي بالثقة الغالية التي منحني إياها صاحب الجلالة الملك محمد السدس نصره الله، يوم تعييني رئيسا لهذه المؤسسة، وتطويقكم كأعضاء بأمانة الإسهام في تدبير شؤونها وتحقيق الغايات المنشودة منها. وهو ما سنسعى جميعا جاهدين إليه، بكل ما يتطلبه ذلك من أمانة، ومسؤولية، وموضوعية، وحكمة، وانفتاح على جميع المؤسسات والفاعلين في منظومة التربية والتكوين.
وأجدد التأكيد، أن هذه الروح البناءة هي التي يجب أن تطوق اشتغالنا طيلة هذه الولاية؛ مستلهمين روح الدستور و القانون و توجيهات صاحب الجلالة، لجعل هذا المجلس رافعة مؤسساتية حقيقية، ينتظر منها أن تضطلع بمسؤولياتها كاملة؛ لمواكبة ودعم النموذج التنموي، والبرامج والديناميات الإصلاحية المطروحة على جدول أعمال بلادنا، وبالخصوص إصلاح منظومة التربية و التعليم و البحث العلمي، باعتبارها تندج في صلب الخيارات الاستراتيجية التي ترتكز عليها بلادنا لربح رهان التطور و التنمية .
وقد أكد صاحب الجلالة في مناسبات عديدة على ضرورة الانكباب الجاد على هذه المنظومة، باعتبارها في صدارة الأسبقيات الوطنية، وقضية المجتمع بمختلف مكوناته، من قطاعات حكومية وجماعات ترابية ومؤسسات تربوية، ومجالس استشارية ومؤسسات وطنية، ومجتمعا سياسيا ومدنيا وقطاعا خاصا، ومثقفين ومفكرين وإعلام وشركاء… . وهذا ما يستلزم انفتاح المجلس على محيطه، والمساهمة في إثراء الفكر والحوار المجتمعي.
وإن النجاح في خلق مثل هذه التعبئة والدينامية المجتمعية، متى تم بأهدافَ واضحة وأولويات محددة، وتدبير محكم وتنسيق منظم، وغيرة وطنية صادقة ونكران الذات، لكفيل بأن يهيئ غدا أفضل لأبنائنا.
نظرا لما أصبحت تفرضه المرحلة الحالية من مزيد تطوير العلاقات والتنسيق بين المجلس والقطاعات الوصية وباقي المؤسسات والمتدخلين، فإن ذلك يستتبعه الإيمان بأن هذه العلاقة علاقة تكامل وتنسيق وتعاون بين الأدوار الوظيفية لكل مؤسسة، في إطار الاستقلال والحدود المكرسة دستوريا.
وضمن نفس السياق والرؤية، ولتدعيم التفكير الجماعي، لابد من الانكباب على ما يحرص عليه جلالة الملك، من تقوية التزام بلادنا في مجال تعزيز فرص التعلم مدى الحياة، وجعل قضايا التعليم والتربية والتكوين، ضمن أولويات ورهانات الشراكة والتعاون الدولي وتقوية التنسيق وتقاسم الخبرات.
وإن المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، وأجهزته التنظيمية والتداولية، وجميع أعضائه، مطالبون اليوم، بمجهودات توازي الثقة المولوية فيهم، بدءا بمعرفة الاستراتيجيات والمخططات والسياسات والبرامج المفتوحة، والإدراك العميق للمكتسبات المنجزة والحاجيات والتحديات المطروحة. والإسهام بالتالي في الرصد والمواكبة والتقييم والنظر في منظور ومضمون الإصلاحات، والمقاربات المعتمدة لتنزيلها. وبالتالي إيجاد أجوبة ملائمة وجريئة لما يواجه المنظومة من تحديات، وما تحتاجه من اقتراحات وإمكانات.
حضرات السيدات والسادة الأعضاء،
لعل مسؤولياتِنا جميعا في هذه اللحظة الحابِلة بالتحديات، هو ما يمكن أن نقدمه من إسهام فاعل في القضايا الجوهرية؛ المرتبطة بالتربية والتكوين والبحث العلمي، انطلاقا من الأدوار الدستورية للمجلس، وفي أجرأةِ ما ينتظره جلالة الملك، وما حدده -برؤيته الاستراتيجية- من أوليات، في خطاباته ورسائله السامية، ومنها على سبيل المثال لا الحصر، السعي الحثيث لوضع خارطة أفق واضحة، وتتتبع منظور ومضمون التوجهات الحالية للإصلاح والمقاربات المعتمدة، وتتويج عمل المجلس بتوصيات كفيلة بإصلاح منظومة التربية والتعليم؛ خصوصا على مستوى إشكالية لغات التدريس وتجاوز الخلافات الإيديولوجية المعيقة للإصلاح، واعتماد البرامج والمناهج الملائمة لمتطلبات التنمية، وإيجاد حلول مبتكرة في مجال التأهيل، وتقديم عرض وطني مبتكر في التكوين المهني. وتكييف هذه الاستحقاقات مع الرؤى الاستراتيجية والتنموية لبلادنا.
وعطفا على كل هذا، يُستلزم منا مواكبة المخططات والسياسات والبرامج، وكشف المكاسب والمعيقات، واستحضار المتغيرات والرهانات والحاجيات الآنية والمستقبلية، واستشراف الضغوطات التي تنتج جراء الانتقال الرقمي، والاستيعاب الواعي للتحولات المجتمعية والديمغرافية والثقافية التي تعرفها بلادنا.
وبالخلفية الاصلاحية لمنظومة التربية والتعليم، وبهذا الزخم التراكمي للمجلس، وبالإرادة الجماعية لدى أعضائه، نحن متأهبون للانخراط في تحقيق الأهداف الرئيسية للإصلاح، وإقامة تعاون بناء وتواصل مستمر مع الجميع، تحكمنا في ذلك الوثيقة الدستورية، ومنطلقنا هي المعاني الكبرى التي بُلورت في خطب ورسائل وتوجيهات جلالة الملك.
وتأسيسا عليه، لا ينبغي لنا النظر إلى أي رؤيةٍ إصلاحية على أنها ظرفيةٌ وعابرة، وإنما على أساس كونها سيرورةً واستمرارية ومستدامة للأجيال الحالية واللاحقة.
إن نجاحنا، كمؤسسة دستورية في رفع هذه التحديات، يتوقف على قدر كبير من الاستمرار بروح المواطنة والوطنية العالية، في العمل الجماعي والتعاون الذي سننجزه، رئيسا وجمعية عامة، ومكتبا، ولجانا، وأجهزة تقنية مواكبة. بشكل واقعي وموضوعي ومرن، بعيدا عن الأفكار الطوباوية البعيدة عن الواقع.
حضرات السيدات والسادة الأعضاء،
طبقا، لأحكام المواد 12 و13 و17، من القانون 105.12 المنظم للمجلس، والمادتين 26 و34و35و36 من النظام الداخلي للمجلس، ستحتضن دورتنا الأولى هاته، تنظيم عمليات انتخاب أعضاء مكتب المجلس وتشكيل اللجان الدائمة، وانتخاب رؤسائها ومقرريها. وهي لحظة ديمقراطية بامتياز، تحتاج منا استلهام روح ومغزى هذه العملية، بما هي خطوة لتوطيد هياكل وأجهزة المجلس، وبما هي استشعار للمسؤولية وللمشاركة الفاعلة في المهام الموكولة للمجلس.
حضرات السيدات والسادة الأعضاء،
ضمن هذا المنحى، وبغرض تجويد حكامة عملنا خلال هذه الدورة، وطبقا للمادتين 23 و17 من القانون 105.12 المنظم للمجلس ، والمادة 83، من النظام الداخلي، وبناء على توصية الجمعية العامة في يوليوز 2014، بملاءمة وتعديل النظام الداخلي متى ظهرت الحاجة لذلك، خصوصا “إمكانية مراجعة تسميات اللجان الدائمة وعددها وتوسيع مهامها الموضوعاتية”، فإن التفكير في تعديلات جزئية تعيد النظر في عدد اللجان الدائمة وتسمياتها ومجالات اشتغالها، أضحى ضرورة تفرضها مجموعة من المعطيات الواقعية والموضوعية؛ إذ لوحظ نوع من التداخل والتكرار في بعض المهام الموضوعاتية بين اللجان، في مقابل غياب بعض القضايا الكبرى عن مجالات اشتغال اللجان.
وتأسيسا على ذلك، ولتجاوز هذه الإكراهات المستخلصة من التجربة التي راكمها المجلس في المرحلة التأسيسية للولاية الأولى، وغاية في إرساء نظام داخلي يقنّن العلاقات بين مكوّنات المجلس، ويحقّق التوازن المطلوب بينها، ولأجل تنظيمٍ تدبيري يتماشى مع المهام الفعلية المسندة للمجلس، نقترح تقليص عدد اللجان من ستة إلى خمسة؛ بهدف الحصول على حجم مجموعة مناسب في كل لجنة، ودمج بعض اللجان وتدقيق تسمياتها؛ غاية في تجاوز تداخل مجالات اشتغالها، وأيضا إحداث لجنة جديدة، وتدقيق تسميات اللجان ومجالات تدخلها، لترسيخ طابع موضوعاتي واضح لكل منها، وتعزيزه.
وهذا من شأنه، تثمين التراكم المؤسساتي، واستثمار الفرص المتاحة لتعزيز أداء المجلس وتطوير آليات عمله، وتجويد مجالات تدخلاته.
ونأمل أن تعطي هذه المراجعة –بعد قبولها من طرف الجمعية العامة- دفعة قوية للجان قصد الاضطلاع بأدوارها وجعلها أكثر فاعلية، وتمكينها من التعبير عن نفسها في إطار تنظيمي محكم وفعال.
حضرات السيدات والسادة الأعضاء،
فضلا عن تقديم العناوين الكبرى لهذه الدورة الأولى، سنعمل خلال اليوم الثاني من أشغال هذه الدورة كذلك على تقديم اقتراح تكوين مجموعة عمل؛ من أجل إعداد “استراتيجية مجلس 2023-2027” لتخطيط معالم هندسة خارطة طريق عملنا وآفاقه، وفق ما هو مُؤمَّلٌ إنجازه معا، وما نرتضيه من أسبقيات وأولويات، واستشراف ما تقتضيه متغيرات السياق الوطني والدولي، من ضرورات الاستجابة والتعاطي والتفاعل اليقظ.
ويفترض في هذه الاستراتيجية، أن تنتظم على أسس مرجعية وتوجيهية، وغايات كبرى، وجملة من المبادئ والأهداف الاستراتيجية، والمهام الكفيلة ببلوغها. ويعول علينا الانخراط التام لبلوغ مقاصدها، بما يخدم تقوية مؤسستنا والرقي بتجربتنا.
وكما سبق لي أن قلت في كلمة اللقاء الافتتاحي، فإنه يقع على عاتق مجلسنا واجب بصم هذه الولاية بطابع خصوصية تركيبته الغنية، و مهارات نخبه العلمية و الفكرية و الاقتصادية و التقنية، نقل خبرات مكوناته لتجويد اختصاصاته ومهامه، لاسيما في المجالات ذات الأولوية. وهو الطموح الذي يقتضي انخراطا لكل هيئات المجلس وأجهزته، وتوظيفا أمثل لما يتيحه القانون المنظم للمجلس، كما النظام الداخلي من وسائل وقنوات.
حضرات السيدات والسادة الأعضاء،
في الختام، أؤكد تعاوني مع جميع أجهزة وهيئات المجلس بشكل تشاركي، وبروح التوافق والتعاون، وبشكل يدمج مختلف الآراء والتعبيرات.
وإني إذ أتطلع معكم إلى مجلس مبتكِر ومنتِج، فلا يسعنا، إلا الاستمرار في رفع وتيرة تمتين المكتسبات وتجويدها وإغنائها، طموحنا أن نكون في مستوى الثقة المولوية السامية و أن نلمس جميعا عن قرب، وفي الأمد المنظور، الأثر الإيجابي المباشر لإصلاح منظومة التربية و التكوين و البحث العلمي، و إعلاء صرح مغرب جديد.
ولا يفوتني بهذه المناسبة كذلك، أن أنوه بكافة أطر وموظفات وموظفي المجلس، على تفانيهم وجهودهم، وأن أتوجه بالشكر إلى شركاء المجلس، وكذا مختلف وسائل الإعلام المواكبة لأنشطته؛ وإيماننا كبير بالدور الحاسم الذي تؤديه في تنوير الرأي العام بأنشطة المجلس، وما تحفل به المؤسسة من نقاشات ودراسات وآراء.
وأخيرا نتمنى لأشغال دورة مجلسنا الأولى بتظافر جهودنا جميعا كامل التوفيق والسداد.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته