بسم الله الرحمان الرحيم
السيد مستشار صاحب الجلالة أندري أزولاي ،
السيد وزير التعليم العالي و البحث العلمي و الابتكار،
السيد رئيس جامعة محمد الخامس-الرباط بالنيابة،
السيدات والسادة عمداء الكليات،
حضرات الأساتذة والباحثين،
الطلبة الأعزاء،
أيها الحضور الكريم،
من دواعي الفخر والاعتزاز، أن أشارككم وأحْتفي معكم بتخليد الذكرى 65 لمنارةٍ من مناراتِ البحثِ العلمي، ومنهلٍ من مناهلِ الثقافة العليا، ونَواةٍ هي الأولى ضمن نَوَياتِ التعليم الجامعي بالمغرب.
وإن تَلبِيتي للدعوة التي وجهتم لي في رحابِ جامعتِنا- أقول جامِعتِنا، لأني كنت وسأظلُّ أعْتبرُني جُزءا من أجيالها- لَهُوَ تقديرٌ يبعثُ في نفسي السرور. ويضاعفُ هذا السرورَ التقاءُ زملائي، ونخبةٍ من رجالات العلم والمعرفة والتكوين؛ الذين أناروا ويُنيرون دروبَ أجيالِنا عِلما ومعرفةً وقِيما.
ومهما تزوَّدتُ لغةً وتعبيرا، فإن جَلالَ ما قامت به هذه الجامعة برِجالاتها، من دورٍ تثْقيفيٍّ وتنويري، وتكوينِ طلائعَ فكريةٍ وسياسيةٍ وإدارية، وانفتاحٍ على المحيط السوسيو-ثقافي، ونشرِ المعرفة في بُعدها الكوني، سيبقى استحضاره وعِرفانُهُ قاصرا.
حضرات السيدات والسادة.
إن إحياءَ مناقشة قضايا الجامعة والتنمية المستدامة، لَهُو استكمالٌ لِسؤالٍ مِحوريٍّ حول دورِها ومسؤوليتها المجتمعية، وعلاقتِها بباقي بِنْيات المحيط، وهي دعوةٌ لِربط العلم بالمجتمع، والاستفادةِ من المعطياتِ العلمية في التنمية؛ لأنَّ ثرواتِ الأُممِ تُقاسُ برأسِمالها النوعي الذي تنتجه الجامعة، كنسقٍ لحاجاتِ المجتمعِ وخُططهِ في التنمية الشاملة والمستدامة، وغاياتِهِ في ترسيخ القيمِ المُثلى.
إن اضطلاعَ الجامعة بدورها في تلبيةِ متطلباتِ التنمية المستدامة، يُعتبر من أهمِّ التحديات التي تواجهنا اليوم؛ على مستوى تعزيزِ فُرص التعلم، وخلقِ الإبداع في المجتمع، وزيادة الإنتاجية وتحسين فرص الشغل. إضافة لرفع المستوى النوعي لحياة المجتمع؛ والذي يتجاوز العائد المادي، إلى إحداث التغيير المنشود، وإرساء نموذجٍ للتنميةِ الدامجة، التي تُيسِّر تكافؤَ الفرص، وتضع أُسُسَ الوصولِ إلى مجتمع المعرفة.
لا يمكن إنكارُ أن الجامعةَ المغربيةَ حققت تطورا على مستوى عُروض التكوين، والتوسيعِ الهائلِ للبنيات التحتية، وتعزيز الشراكات الدولية، غاية في دمقرطة التعليم العالي. لكن وبالرغم من كل هذه المجهودات، لا تزال الحاجةُ إلى عرضٍ تكويني جيدٍ؛ يمكِّن خريجي الجامعات من كل المؤهلات الضرورية والكفايات، التي تُيسِّرُ لهم الارتقاء والاندماج في الحياة النشيطة وسوق الشغل، طلبا اجتماعيا مُلحّا ومتعددا.
لقد أضْحى التعليمُ العالي في سياقِ العولمةِ والتحولاتِ الدولية التي أجَّجتِ المنافسةَ بين الاقتصاديات الوطنية، يُواجِهُ مُتطلباتِ المنافسةِ الدولية التي تستلزمُ الإحاطةَ بالتحديات الحاسمة، وتكوينِ خريجينَ بمواصفات عالية الجودة.
إن الأداءَ العـامَّ للتعليـم العالي، مـا دام يراهـن عـلى تطـوير مـوارده البشرية وجـودةِ حكامته، وعرضهِ التكويني، وتمويله، ونموذجهِ البيداغوجي، يتَّسـمُ ضرورةً بِتعـدُّدِ الأبعاد. وهو ما يُسائل الإصلاح الجامعي لسنة 2003، وفعاليةَ تنزيلهِ ومدى تلاؤمه مع مقاصده الأصلية، لأن الحماسَةَ التي سادت عند انطلاقته فَتَرتْ مع مرور الوقت، وصِرنا أمام تراجع مُقلق.
وضِمنَ امتدادات الرؤية الاستراتيجية 2015-2030 للمجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، التي أُنجزت بعد مسار طويل من الأبحاث والمشاورات، وتم تبنِّيها كإطارٍ مرجعي لإصلاح مُكوناتِ المنظومة الوطنية للتربية والتكوين(وضمنها التعليم العالي طبعا) دفعت في اتجاه ديناميةٍ نوعية لِتطوير نظام التعليم العالي، وِفْق محددات داخلية وخارجية.
ويندرجُ ضِمنَ المُحدداتِ الداخليةِ عاملُ التطور الديمغرافي؛ وما يسْتَتْبِعُهُ من ضغط على الطاقة الاستيعابية وجودةِ التأطير ومستوى التكويـناتِ والمردوديةِ الداخليةِ والخارجية لنظام التعليم العالي، ومختلَفِ جوانبِ الحياة الطلابية والجامعية عموما.
ومـن بيـن المحـدداتِ الداخليـةِ الأخـرى، نجـدُ غيـابَ الانسـجام فـي تنظيـم التعليـم العالـي، الخاضعِ منـذُ أكثرَ من عقديـن للقانـون 00.01، والذي لـم يُتمَّـم بكامل نصـوصه التنظيميـة، وهُوَ ما حدَّ من تطبيـق بعـض المقتضيـات، وقلـّصَ مـن أثـرِ هـذا القانـون فـي الإصـلاح.
وعلى مستوى التنظيمِ البيداغوجي، ورغـم ما شـكّله تعميـمُ العمـلِ بنظـامِ “إجازة-ماستـر-دكتوراه” (LMD) كَحجرٍ لِزاوية الإصلاح، إلا أن عـددا مـن القـراراتِ والإجراءاتِ غيـرِ المكتملةِ ، لا سـيما علـى مسـتوى مضاميـنِ المقاربةِ المنهجية، والهندسـةِ البيداغوجيـة، والجُسـورِ والممـرّاتِ التـي يُفتـرض أن تنبثـق عـن هـذا التنظيـم، عمِلـتْ جميعُها علـى الحـدِّ مـن التأثيـرِ الإيجابيِّ المأمولِ منه.
والحالُ أن ترسيخ هذا الإصلاح، يتطلبُ نفسا طويلا من أجل دعمِ التجديدِ المتواصلِ للنموذج البيداغوجي؛ الذي وجب أن يقوم على مكتسبات التقدمِ الهائلِ الذي شهدته أنظمةُ التعليم العالي على المستوى الدولي، وأن يستفيد من مساهماتِ الثورة الرقمية، وآفاقِ اقتصاداتٍ تتأسس أكثرَ فأكثرَ على المعرفة.
كما تنـدرجُ ضمـن هـذه الفئـةِ مـن المحددات الداخليـةِ أيضـا، الإشكالياتُ المتعلقةُ بجـودة التعليـم، وبحكامـة النظـام والموارد البشـرية المعبأة، سـواء علـى المستوى الكمـي أو الكيفـي، إضافـة إلـى إشـكاليات التمويـل.
أمـا المحدداتُ الخارجيـة، فتتعلق أساسا، بتغيـُّرِ نماذِج الطلـبِ الاجتماعي الموجّـَهةِ لمنظومة التـربية والتكويـن. ذلـك أن المغـربَ انخـرطَ خـلال السنوات الأخيرة، فـي إعـادة هيكلـةٍ عميقـة لنمـوذجه التنمـوي، وفَتـحَ أوراشا فـي مختلـف القطاعـات(الصناعـات، الطاقـة، الفلاحـة، التكنولوجيـات، الخدمـات الـخ…) ؛ وهي التوجهاتُ والاختياراتُ التي أدّت إلى بـُروز مطالبَ وانتظاراتٍ جديدةٍ من نظام التعليم العالي، باعتبارهِ المصدرَ الرئيسـيَّ للرأسمالِ البشري، ولِهندسةِ وتأطيـرِ الأنشطة السوسـيو – اقتصاديـةِ في البلاد.
واستدراكًا على هذه المحددات، لـم يأخـذ نظامنا في التعليم العالي، بعيــن الاعتبار، سـواءٌ مـن حيـث الكـم والنـوع، جميـعَ فـرص التشغيل وإمكاناتِ الارتقاء الاجتماعي، التـي تُتـيحها الديـنامياتُ الجديدةُ للأنشطةِ الاقتصادية الوطنـية، وهو ما انعكس سـلبا علـى مردوديتـه الخارجيـة، وأصبح تكويـنُ عشـراتِ الآلاف مـن الحاصليـن علـى الشـهادات عبئا، لا يتلاءمُ مـع انتظـاراتِ سـوق الشـغل. زِدْ على ذلك، أنَّ نِظـامَنا التعليميَّ -للأسفِ- لـم يأخُـذْ بعيـن اعتباره، ازدهـارَ الثـورةِ الرقميـة التـي تقـومُ بتشـكيلِ ملامحِ التطـورِ الاقتصادي العالمـي.
وضِمن هذه الإكراهات، يجب التنويهُ بأن مجموعةً من مؤسسات التعليم العالي في المغرب، ابْتدعتِ العديدَ من الحلولِ وسُبلِ التفكيـر، وحققت نتائـجَ ملموسـةً ومُقنعـةً ولو في ظل إكراهـاتِ المساطر والمركزية. وبالرغـم مـن جُزئيـةِ هـذه الحلـول، فـإن الممارساتِ الجيـدةَ والتصـوراتِ المتجـددةَ وطرائقَ تنظيمِ التعليم العالي علـى المسـتوى الدولـي، بإمكانها أن تُلهِمَ وتُعزِّزَ التفكيـر فـي النمـوذجِ المأمولِ المُتعيَّنِ بِنـاؤه للتعليـم العالـي.
إن من أهمِّ الخلاصات الأساسية التي توقف عندها المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي في تقاريره، أن مُجتمـعَ المعرفةِ والاتصال والاقتصاد والتواصـل الرقمـي، هي العوامـلُ الحاسمة لِــمُجانسةِ التعليم العالي ومَعْيرتِه. ولا تتناقـضُ هـذه المَعْيــرةُ مـع ضـرورةِ تثْميــنِ التنـوُّعِ ومُلاءمةِ مضاميــنِ التكويــناتِ مع الســياقات المحلية والسوســيو-اقتصادية. ومنها أساسـا: العلاقـةُ بالتكنولوجيـا، وبالمساطرِ وقواعـد التنظيـم والحكامـة، وبالمقارباتِ والهندسـةِ البيداغوجيـة، والعلاقـاتِ بالمحيط السوسـيو – اقتصـادي والثقافـي، والعلاقـاتِ بيـن الفاعليـن، إضافة إلى البعـدِ الاجتماعي للتعليـم العالـي.
وتُشـكِّل هـذهِ المكوناتُ مُجتمعةً، نَسقَ اشـتغالِ مُؤسسـاتِ التعليـم العالـي فـي المستقبل؛ خصوصا التكنولوجيا الرقميـةِ والابتكارِ التكنولوجي، اللذَينِ صارا جوهـرَ البـراديغماتِ الخاصـةِ بالمقاربة الاستراتيجية لإصلاح منظومـة التــربية والتكويــن عمومـا ونظـامِ التعليـم العالـي خاصـة.
وإذا كانت الجائحة، قد ولَّدتْ فُرصةً هائلةً للاستثمارِ الرَّقمي، وَوفَّرتْ بدائلَ ووسائِطَ تعَلُّمِيَّة، سدّتْ فجواتٍ مهمةٍ من العجزِ والتأخُّر، فإني أتساءل معكم أين هو ذلك التراكم اليوم؟ ولماذا لم نستطع أن نُحوِّلَ الجائحةَ إلى عاملٍ مُحفّزٍ لتحسين مستوى التعلُّم، واستثمارِ تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي؟ وقد كانت فرصةً هائلـةً وطريـقا مختصَـرةً لنظامنا التعليمي، إذا أراد المنافسة في مستقبل التعليم.
ولا أريد أن يُفهم من قولي إهمال التعليم التقليدي، بل أن يسيرَ الاثنانِ معًا من خلال التعليمِ المُدمِج، بما يوازِنُ بين الاحتياجات التعليميةِ والأهدافِ التعليميةِ المتنوعة، وخاصةً تلك التي تسعى لتنميةِ المهارات، والتي يصعبُ تحقيقها من خلال التعلم الإلكتروني فقط.
حضرات السيدات والسادة
إذا كان امتداد ثورة العلوم والتقنية عالما جديدا، فَرضَ نمطا حياتيا “مُتميزا”، أصبحت فيه الجامعة شاهدةً على التحولاتِ الجذرية التي تمسُّ البُنى الثقافية، والاجتماعية، والاقتصادية. وتَبَلْوُرِ علاقاتٍ لم تتهيأ الفرصةُ لا للتشريعات أو الأدواتِ المعياريةِ ملاحقتُها أو السيطرة عليها. فإن الكثيرَ من الخطاباتِ تتردّدُ متسائلةً عن دور تخصصات العلوم الإنسانية والاجتماعية في التنمية؟ بما يوحي بِتَواري دورِ هذه العلوم، في عصرٍ يعطي الأولويةَ للمعرفةِ التكنولوجية التي تستفيد منها المقاولة، إيماءً بأن هذهِ العلومَ إرثٌ يُعيق السَّعيَ نحو اكتسابِ المهارةِ التقنيةِ والكفاءةِ المهنيةِ والابتكار التقني.
وإنْ كان لِهذا الموقفِ ما يُبرِّرُهُ في واقعِ الجامعةِ اليوم، فهو لا يَنِمُّ عن رُؤيةٍ لدورِ الأخيرة في إيجاد الحلولِ للمشاكلِ التي تعْترض الإنسانَ والمجتمع، وبالتالي ارتباطُها بطبيعةِ المشروعِ المجتمعي الذي يُتوخَّى. وإنّ اليوم، لشاهدٌ على حركةٍ فِكرية وكمٍّ هائلٍ من الدراسات والأبحاث، تُؤَطِّرُ العولمةَ والثورةَ المعرفيةَ والمعلوماتيةَ وانتقالَ التكنولوجيا من الشمال إلى الجنوب، يلعبُ فيها الباحثونَ والخبراءُ في العلومِ الاجتماعيةِ والإنسانيةِ دورا في إثارة القضايا الثقافية، والسياسية، والاجتماعية، والقانونية، والاقتصادية التي تُصاحبها.
وهذا ما يجعل هاته العلوم تُجسِّدُ وعْيَ المجتمعِ بذاته، وبالنَّهْجِ السِّياسي، والاقتصادي، والاجتماعي الذي يصبوا إليه، ما يَرْهنُ الجامعةَ بحِمْلِ الحفاظِ على دَورِها المعرِفي، وإنتاجِ موردٍ بشريٍّ ذي كفاءةٍ مُتعددةِ الملامح. ولا تناقُض هنا بين التوجهِ المعرفي والنفعي، فَكِلاهُما يُمكنُ أن يستوعِبَ الآخرَ ويسْتلْهِمَ مِنهُ عناصره.
إن الأنساق التكوينية الحديثة تتأسس على تغليب المقاربات التقنو-اقتصادية، المبنية على التنافسية، مُفرزةً بذلكَ اتجاهاتٍ حديثةٍ جعلت منَ المنظومةِ التكوينية عمليةً استثماريةً يجبُ أن تُثمَّنَ بعائدٍ حسابيٍّ ورقمي. إلى درجةٍ أفرغَ الجامعةَ من صبغتها الحضاريةِ والفكرية. وفي نَظرِنا أنَّ ما يجب أن تضطلع به الجامعة، هو أجرأةُ عَملِياتها، وِفْقَ نسقٍ تلازُميٍّ يَرْبِطُ الجوانبَ الكمِّيةَ والكيفيةَ واحتياجاتِ المحيط الاجتماعي، والسياسي، والحضاري، وليس التقني فحسب. وهو ما يجعلُ مَرْمى جودةِ التعليم العالي تتحققُ عبرَ منظورٍ شموليٍّ مُنْدَمِج، من دونِ تجْزيءِ عمليةِ الإصلاح إلى مُكوناتٍ معزولةٍ عن بعض.
كما على القطاع الخاصِّ أن يُوسِّعَ من دائرةِ مسؤوليتهِ المجتمعية، ويَعْملَ على خلْقِ صورٍ من الشراكةِ في البحث والابتكار، وإيجادِ منافذَ تسويقيةٍ مُنتظمةٍ وفُرصٍ استثماريةٍ جديدة، وتحويلِ المشاريع البحثيةِ والأنشطةِ الإنمائية. لأن ذلكَ رافعةٌ قويةٌ للتَّنافسيةِ وتعزيزٌ لِمكانةِ الجامعةِ في التصنيفات العالمية.
حضرات السيدات والسادة.
لقد أصبحتِ الجامعةُ نسقا مُعقَّدا يضمُّ مؤسساتٍ غيرَ مُتجانِسة، مَوْسومةٍ بانتفاءِ النسقيّةِ بينَ التخصُّصاتِ، وصرامةِ المناهج، وعدمِ التّحرر من عِقال الاتِّباع والتَّكْرار، وغيابِ روح المبادرة.
إنَّ التكوينَ الحديثَ يَتَّجِهُ نحوَ تكامُلِ التخصصات؛ بما يعني قراءةَ مُستوياتِ الواقعِ دُونَ السُّقوطِ في الاخْتِزالية، للتَّمكُّنِ مِنِ اكْتشافِ الجديدِ وإثْراءِ المعرفةِ التي تُنْتِجُها الجامعة.
يَفرِضُ تعقُّدُ النُّظمِ وتعدد أبعادِها تداخُلَ العلوم وتلازمها. وهذا لا يعني العُزوفَ عنِ التَّجذُّرِ في التخصص، إنما القصدُ تزويدُ الباحثينَ بإمكانياتِ التعاملِ مع كُلِّ النُّظُم، والعملِ في إطار فرقٍ أو مجموعاتِ بحث، لأن مشكلاً كَنَقْصِ الماءِ مثلا، يحتاجُ الجغرافيَّ، والقانوني، والكيميائي، والفيزيائي، والإحصائي، وعالمَ الاجتماع… وفي تلاقي هؤلاء يكْمُن الابتكار.
إنَّ قناعتنا الراسخة، أن الشبابَ هُمُ المحرِّكُ والدافع الرئيسيُّ للعمليةِ التنموية، وأنَّ الشبابَ هُمْ وسيلةُ التنميةِ وغايتها، ولذلك يجبُ أن يستمر الاستثمارُ في الشبابِ من خلالِ التعليمِ والتدريبِ والتزويدِ بالمهاراتِ والخِبْرات، والتركيزِ على نوعيةِ التعليم العالي؛ الذي عليه مسؤوليةُ تشكيلِ الوعيِ الثقافي والديموقراطي، وتعزيزِ الهويةِ الجامعةِ والمواطِنة، والتربيةِ على قيم الكرامةِ والمساواةِ في الحقوقِ والواجبات، والتشجيعِ على الإبداع والعملِ التطوعي، وتكريسِ ثقافةِ الحوارِ واحترامِ الرأي الآخر.
كما على المعْنِيِّينَ، بذْلُ قُصارى الجهودِ لِسَدِّ الفجوةِ الماليةِ وإزاحةِ العائقِ الماديِّ أمامَ بعضِ الطلبةِ، وتأمينِ مِنَحٍ مُحترَمَةٍ، والتفعيلِ الأمثلِ للمادتين 75و76 من قانون تنظيم التعليم العالي، والخاصة بالخدمات الاجتماعية للطلبة والباحثين؛
وإذا كان الولوج إلى المعلومةِ يُعتبر حقا من حقوق المواطن يكفُلهُ الدستورُ بشكلٍ عام، فإنَّ هذا الحقَّ يكْتسي طابعا خاصا عندما يتعلق الأمرُ بفئةٍ من المواطنينَ يشكِّلونَ جِسْرا بينَ مصادرِ المعلومةِ والمعرفة. ويُعتبرُ الحصولُ على المُعطياتِ والبياناتِ مِن مَشْمولاتِ الحريةِ الأكاديميةٍ بِمُختلفِ أصنافها، فالباحث الأكاديمي والذي يُفْترضُ فيهِ أن يحترمَ مجموعةً من القيمِ التي تحكُم مُنْطلقاتِه في البحث، وفي مُقدمتها احترام « التعددية الفكرية»، لا يمكنه القيام بذلك في حالة وجود عوائق تحول دون حصوله على المعلومات.
وأودُّ الإشارةَ في الأخير، أن المجلسَ الأعلى للتربيةِ والتكوينِ والبحثِ العلمي، يعملُ على مُتابعةِ وتَقْييمِ البرامجِ والسياساتِ المتعلقةِ بِرِجالِ ونِساءِ التعليم؛ من أجْلِ قِياسِ فَعَّالِيتها، وتماسُكِها، وصلاحِيتها. ويسعى –مِن خلال صلاحياتهِ- إلى ما يُمكِّنُ الارتقاءَ بِحياتهمُ الشخصيةِ والمهنية، استنادا إلى أدوارهم العظيمةِ وتضحياتهم.
وختاما، أُجَدِّدُ الاحتِفاءَ معكم بهذه المناسبة، و أُهنئُ كلَّ مَنْ فكَّرَ وأسَّس وساهمَ في بِناءِ واستمرارِ هذا الصَّرْحِ العِلميِّ العتيد، وأُهنئ كذلك السيدَ رئيس الجامعة بالنيابة وكل الهيئات الإدارية والتدريسية، والطلبةَ الأعزاء. وكُلُّ الشكرِ والعِرفانِ للرُّوَّادِ الأوائلِ مِنَ الأساتذةِ والباحثينَ والإداريين، الذين عَمِلوا بِمُنتهى الإخلاصِ والتفاني حتى وصلت هذه الجامعة إلى ما يدعونا جميعا للفخر والاعتزاز.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته